التلبينة: غـذاء ودواء
د. رامي عبدالحسيب
لاشك أن هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الطعام والشراب ذو فائدة جمّة لصحة الإنسان. ويُظهِر العلم يومًا بعد يوم هذه الفوائد من خلال الأبحاث المعملية والتجريبية الحديثة. وفي هذا المقال سنتناول هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تناول حبوب الشعير خبزًا وحساءً وشرابًا، وكيف أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصفه لمداواة المرضى وتخفيف الحزن والغم الذي يعتري النفس الإنسانية بين حين وآخر، وسنعرض نتائج البحوث الحديثة التي توضح بالدليل العلمي الفوائد الغذائية والدوائية لحبوب الشعير، مما يثبت ويؤكد أن حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الموضوع خارج من مشكاة النبوة.
أولاً: أهم الأحاديث الواردة في الموضوع:
1 ـ روى الترمذي بسنده عن سُلَيم بن عامر سمعه أبو أُمامة يقول: (ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خبز الشعير).
2 ـ روى الإمام أحمد عن عروة عن عائشة ـرضي الله عنها ـ أنها قالت: (ولا أَكَلَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ خُبزًا منخولاً منذ بعثه الله إلى أن قُبِض).
3 ـ في الصحيحين من حديث عروة عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت إذا مات الميت من أهلها واجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلى أهلهن أمرت بِبُرمَة من تلبينة فطُبخَت، وصنعت ثريدًا ثم صبت التلبينة عليه، ثم قالت: كلوا منها فإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (التلبينة مُجِمَّةٌ لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن).
4 ـ روى ابن ماجه من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أخذ أحدًا من أهله الوعكُ أمر بالحساء من شعير فصُنع، ثم أمرهم فَحَسَوا منه ثم يقول: (إنه يرتو فؤاد الحزين، ويسرو فؤاد السقيم، كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها). أخرجه ابن ماجه في الطب باب التلبينة، والترمذي باب ما يطعم المريض، وقال: حسن صحيح.
5 ـ في السنة من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالبغيض النافع التلبين)، قالت: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا اشتكى أحد من أهله لم تزل البُرمة على النار حتى ينتهي أحد طرفيه ـ يعني يبرأ أو يموت. أخرجه ابن ماجه وأحمد، وفي سنده جهالة، وله شواهد.
6 ـ وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا قيل له إن فلانًا وَجِعٌ لا يطعم الطعام قالعليكم بالتلبينة فحسوه إياها)، ويقول: (والذي نفسي بيده إنها تغسل بطن أحدكم كما تغسل إحداكن وجهها من الوسخ).
أشارت هذه الأحاديث إلى استعمال حبوب الشعير غذاء ودواء فقد استعمله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأهل بيته خبزًا، وأمر به للمريض الذي لا يطعم الطعام، وأمر به للحزين، وإصلاح فؤاد المريض، وأمر به للمبطون فإن حساء الشعير يغسل بطن المريض، ويرتو فؤاد الحزين، ويسرو فؤاد السقيم.
والتلبين لغة:
هو الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن، ومنه اشتق اسمه، وقال الهروي ـ رحمه الله: سميت تلبينة لشبهها باللبن لبياضها ورقتها.
وقال ابن القيم ـ رحمه الله: وهذا الغذاء هو النافع للعليل وهو الرقيق الناضج، لا الغليظ النيئ، وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة فاعرف فضل ماء الشعير، بل هي ماء الشعير لهم. فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحًا والتلبينة تطبخ منه مطحونًا، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن.
ثم قال ـ رحمه الله: وقوله ـ صلى الله عليه وسلم: (مجمة لفؤاد المريض) يُروَى بوجهين بفتح الميم والجيم، وبضم الميم وكسر الجيم، والأول أشهر ومعناه مريحة له أي تريحه وتسكّنه، من الإجمام وهو الراحة. وقوله: (تذهب ببعض الحزن)، قد يقال ـ وهو الأقرب: إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية والله أعلم. ويقول ـ رحمه الله ـ في تفسير حديث عائشة ـ رضي الله عنها: (إنه ليرتو فؤاد الحزين، ويسرو فؤاد السقيم كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها) ومعنى يرتو أي يشد ويقوي، ويسرو يكشف ويزيل. ثم يقول ـ رحمه الله: وقد تقدم أن هذا ماء الشعير المغلي وهو أكثر غذاء من سويقه وهو نافع للسعال، وخشونة الحلق، صالح لقمع حدة الفضول، مدر للبول، جلاء لما في المعدة، قاطع للعطش، مطفئ للحرارة.
ثم قال ـ رحمه الله: وصفته (ماء الشعير) أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدارًا ومن الماء العذب الصافي خمسة أمثاله. انتهى كلامه ـ رحمه الله.