إن سبب نزول سورة الكهف حسبما ذكره علماء التفسير كابن كثير وغيره هو كما يلي: " فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة، فسألوا أحبار يهود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، قال، فقالت لهم: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن، فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل، فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم.
سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم، فإنهم قد كان لهم شأن عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك، فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم، فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش، فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أخبركم غداً عما سألتم عنه ولم يستثن، فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحياً، ولا يأتيه جبريل - عليه الصلاة والسلام -، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غداً واليوم خمس عشرة ليلة، وقد أصبحنا فيها ولا يخبرنا بشيء عما سألناه، وحتى أحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل - عليه الصلاة والسلام - من الله - عز وجل- بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف، وقول الله - عز وجل-: ( وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) [الكهف: 83]. "إلى آخر الآيات.
بداية السورة تتناسب مع نهايتها كما في جميع سور القرآن، فالبداية هنا الحديث عن القرآن، والنهاية بالحديث عن كتاب الله وكلمات الله ألا وهو القرآن الآيات من 1- 5، إذا تحدثنا عن الآيات الأولى في هذه السورة تتحدث عن النعمة العظيمة إلا وهي القرآن الكريم طالبنا المولى - عز وجل- أن نحمد الله على هذه النعمة، فلولاها لعاشت البشرية في ظلام وطلال إلى يوم القيامة، فالقرآن ليس كلام في سور بين دفتي كتاب، ولكن هو منهج حياة نعيش به قيماً على الناس في كل زمان ومكان.
ما طبيعة هذا المنهج؟
جاء بالتبشير للمؤمنين والإنذار لمن أشرك بالله شيئاً، وهذه البداية تتناسب مع هدف السورة ألا وهو فتن الحياة الدنيا وكيفية علاجها " التحذير من الافتتان بالولد والمال والسلطان والعلم فلا تكن يا محمد أسفاً عليهم إذا لم يؤمنوا بهذا المنهج.
الآيات 7و8": ثم تبدأ الآيات في تقدمه لهذه الفتن بذكر أن الحياة مزينة للناظرين، ولكن حقيقتها ابتلاء واختبار لهم من سيحسن العمل، وفي نهاية هذه الحياة تضيع كأنها تراب؛ إذ يقول الله - تعالى-: ( اضرب لهم مثل الحياة الدنيا....)
بين كل قصة وأخرى تتكرر الحديث عن حقيقة الحياة الدنيا وكأنه تنبيه للغافلين عن هذه الحقيقة أفيقوا أمة القرآن، فالموت هو الحقيقة الوحيدة في حياتنا أما الدنيا فهي زينة وتفاخر وتباهي فهي كم فتكت بالمفتونين بها.
تبدأ أول قصةٍ قصة أصحاب الكهف، وأول فتنة هي فتنة الشباب: قال - تعالى-: ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) نجد في الآيات من العبر والعظات فهم فتية في سن الشباب بين الثانية عشر والسادسة عشر لم يقبلوا تبعية أهلهم على الباطل، وكانوا على يقين أن الحق في عبادة الله وحده، وعدم الإشراك به فهي الفطرة السليمة وحدها هي التي توجههم فأووا إلى الكهف وإنهم في الحقيقة لم يأووا إلى الكهف إنما أووا إلى ربهم، وإذا تأملنا في مجتمعنا ماذا يفعل كثير من الفتيات والشباب الذين في نفس عمر هؤلاء الفتية نجدهم إما يتبعون أصدقاء السوء، وإذا تبعوا أهليهم تبعوهم في عادات وتقاليد ليس لها علاقة بالشريعة أو يتبعون موضة غربية على غير بينة، وكان لسان حالهم يقول: ( إنا وجدنا ْاباءنا على أمة وان على آثرهم مقتدون)، ونسوا قول رسولهم الكريم حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا)) رواه الترمذي (2007) بإسناد ضعيف فها هي الآيات تضرب لهم مثل لفتية في مثل سنهم عرفوا طريق الهداية ورأوا بنور الله فاستنارت بصيرتهم يا ليت كل شبابنا إيجابيين في اتخاذهم قرارات حياتهم إما أكون مع الحق أم الحق بأهل الباطل، وإذا تأملنا أيضاً نجد أن هؤلاء الفتية عرفوا قيمة الدعاء، فكانوا أول شيء فعلوه عندما دخلوا الكهف توجهوا إلى ربهم بالدعاء أن يلهمهم الرشد ويرحمهم، فقد يكون هو أرحم بهم من أمهاتهم وآبائهم، لعلنا نعرف أهمية الدعاء فندعو في كل وقت وحين وأننا ما دمنا ندعو فإننا مازلنا في عبادة لله، فالدعاء هو مخ العبادة.
فمن آداب الدعاء: تخير الأوقات والأحوال المناسبة، ولنتأمل معاً هذه الأحاديث
* عن أبي هريرة: (( ثلاث لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم، يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)).. سئل رسول لله عن أفضل أوقات الدعاء، فقال: (( جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبة)).
* وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله قال: (( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء)).
ومن الأوقات أيضاً الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُرد يقولون: " كان محمد بن جعفر الصادق إذا سجد في المقام بكى عند الكعبة حتى يبكي الناس، ويقول: مسكينك بين يديك، فقيرك بين يديك.
ومن الأوقات: يوم عرفة، حيث يتجلى الله للناس يوم عرفة فيقول: (( يا ملائكتي! انظروا لعبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم)). وفي الصحيحين: (( ينزل ربنا - سبحانه وتعالى- إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟ )) فالسحر عجيب ( وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 18] (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) [آل عمران: 17]، ومن آدابه: أن يُحْسِن العبد ظنَّه بالله حتى في أصعب المواقف، فهاهم أصحاب الكهف في أصعب مواقف حياتهم وأشدها الخوف من بطش الأهل والقلق على المستقبل، ولكنهم علموا علم اليقين أنه ليس على الله بعزيزٍ أن يَستجيب دعاء عبدِه إن علم فيه الصِّدق، وحسن اليقين به، حتَّى ولو كان في عُرف الناس من المستحيلات؛ لأنَّك إن استشعرتَ بأنَّك تدعو عظيمًا قادرًا؛ فإنَّه سيستجيب لك، ومن آدابه أن تُلِحَّ في الدُّعاء، وتكثر منه، ويكون دَيدنَك ودأبك، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (( لا يقل أحدكم: دعوت فلم يستجب لي)) وقال في حديث آخر: (( يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل، يقول: دعوت دعوت فلم يستجب لي)) وكل شيء عنده بمقدار أتملك اقتراحاً على الله؟ أتريد أن تنفذ إرادتك على الله؟ أتريد أن يلبي الله لك طلبك في أسبوع؟! أنظر إلى موسى، وقف - عليه السلام - داعياً يقول: ( رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) [يونس: 88] فيقول أخوه هارون وهو بجانبه: آمين، آمين، آمين. فأخبر الله أنه استجاب لهما فسماهما داعيين، قال: ( قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا) [يونس: 89] قال أهل العلم: كان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة. أربعون سنة مكث موسى ينتظر عذاب الله على فرعون.
وها هو زكريَّا - عليه السلام - غيرَ يائس ولا قانط؛ إذِ استجاب الله كلَّ دعاءٍ يدعوه؛ قال - تعالى- على لسانه: ( وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) [مريم: 4]، وكيف يقنط مسلِمٌ من دعائه، وقد كفل الله - تعالى -استجابةَ الدُّعاء له؟ وكيف يَيئس مسلمٌ من دعائه، وقد قال - تعالى-: ( إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]؟ ولا يكون الدعاء بتمني الشر والإيذاء للآخرين مثل يا رب فلانة تطلق من زوجها أو يحدث لها مصيبة معينة، فهذا ليس من آداب الدعاء التي علمها لنا القرآن من آدابه أيضاً السعي في عمل الخير وتقديم الأعمال الصالحة: يقول المولى –عز وجل- في كتابه: ( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) [الأنبياء: 89 - 90]. ولكنَّ كثيرًا من الناس - إلاَّ مَن رحم الله - تعالى - يَدْعو الله في موطن الشِّدَّة، أمَّا في حال سروره وسعادته، فلا يَشكر الله - تعالى -ولا يحمده، بل يَصْدف عن شكره، وينأى عن عبادته، وكأنَّه لا يعرف الله - تعالى -إلاَّ في مواطن الرَّزايا! بل تراه يدعو الله إنْ مسَّتْه لأْواء في جميع أحواله، ويلحُّ في الدعاء، قائمًا كان أو جالسًا، أو متَّكئًا أو ماشيًا، ولكن ما أن يفرِّج الله غمَّته، وينفِّس كربته، حتَّى يعود سيرته الأولى! ومنهم مَن لا يكلُّ ولا يملُّ، ولا يَفْتُر عن طلب العافية والسعة في النِّعمة، ولكن ما أن تحيق به مصيبةٌ حتَّى يَقْنَط من رحمة الله تعالى؛ قال - تعالى-: ( لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) [فصلت: 49]. ونتأمل معاً وجه الإعجاز العلمي في الضرب على الآذان، لماذا الأذن، ولم يقل العين، سؤال قبل الشرح، هل النوم معناه نوم العين؟ هل عندما تغلق عينك تنام؟ أم انك لا تزال تحس وتسمع كل ما يجرى حولك، وأن النوم الحقيقي عندما تنام حاسة السمع، فعند الضرب على الأذن يصبح الإنسان في ثبات عميق ولأن أيضاً حاسة السمع هي أول حاسة تتكون في الجنين ولأنها ذكرت قبل حاسة البصر في كثير من الآيات منها في سورة الإسراء: ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)، وفي آيات أخرى: (فانك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) - الآية -52- من سوره الروم..
نجد أن حاسة السمع مهمة لأن الذي لا يسمع كأنه في عداد الموتى وننتقل إلى معنى آخر في آية أخرى إذ يقول المولى –عز وجل-: ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) ما أجمل أن يزيدك الله هداية بعد الإيمان ويربط على قلبك بإخلاص النية لله وعدم الإشراك به، ما أجمله كأني أسمع من يقول نحن لا نعبد الأصنام أقول لك إن آيات القرآن صالحة لكل زمان ومكان، فقد يكون بداخل أي منا أصنام تتمثل في أولاده أو المال أو الجاه والسلطان أو الزوجة أو المكانة العلمية كل هذه إذا أدى حبها إلى فعل الحرام، فإنها أصنام تعبد من دون الله فلنحطم أصنام قلوبنا كما حطمها هؤلاء الشباب ولنخلص لله كما أخلصوا ليربط على قلوبنا كما ربط على قلوبهم فلا الكفر يدخل ولا الإيمان يخرج السنا في حاجة إلى الربط على القلوب في أيام الفتن هذه ولنتذكر هذه المقولة تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا تأملنا في قوله - تعالى- على لسان الفتية: ( وإذ اعتزلوهم وما يعبدون)، كذلك قالها إبراهيم: ( سأعتزلكم وما تدعون...) لماذا لا يجعل كل منا في اليوم أو الأسبوع ساعة يعتزل فيها الناس ليناجى ربه ويصلى ويدعو عسى أن يجعل لنا ربنا من أمرنا رشداً، ويرحمنا رحمة واسعة، كم نحن محتاجون إلى هذه الخلوة بهذه النية وننتقل إلى معنى آخر: ( وما يعلم جنود ربك إلا هو)، وهل تظن أن من يفر إلى الله يخذله؟ كلا والله، إنه تولى أمرهم وحفظهم بشمس تطلع عليهم من جهة اليمين في مكان معين من الكهف لا تملأ الكهف حتى لا تؤذي أجسامهم وحفظ أجسادهم من أن تأكلها الأرض فكان يقلبهم مرتين ذات اليمين وذات الشمال حتى لا تصاب أجسامهم بقرح نتيجة لالتصاقها بالأرض لفترة طويلة، وهذا ثابت علمياً أيضاً، تخيل هم في حفظ الله وهم نائمون سنوات طويلة، فما بالك بمن يسعى في الحياة طلب للرزق أو قضاء حوائج الناس ويخدم الدين ألا يحفظه المولى –عز وجل- ألا يجند له الكون من حوله لخدمته؟ ومن حفظه لهم أيضاً: جعل الخوف والرهبة منهم لكل من يمر على الكهف مشهد الكلب وهو باسط ذراعيه كأنه يحرسهم مشهد يوحى بالرعب لكل من يمر على الكهف. النوم أيضاً من حفظ الله لهم لأن الإنسان بعد يوم شاق طويل يحتاج إلى أن ينام حتى يستعيد نشاطه والنوم في هذا الوقت نعمة من المولى كما حدث في غزوة بدر: ( وإذ يغشيكم النعاس أمنة منه) أل عمران، هذا كله من - رحمه الله - بهم كما دعوا المولى استجاب لهم هب لنا من لدنك رحمة صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: (( احفظ الله يحفظك)) جند لهم الأرض والسماء والكلب والكهف وحتى المشاعر الخوف والرعب من كل من يقترب منهم فمن رحمة الله بهم كما دعوا أن يعمي أعين الناس عنهم، الآن نتساءل بيننا، هل حفظنا الله - تعالى- حتى يحفظنا؟ هل ندعو بيقين كما كانوا يدعون؟ ألا يذكرنا هذا المشهد بمشهد النبي وصاحبه في الغار: ( إذ قال له صاحبه لا تحزن إن الله معنا) وهكذا موقف إبراهيم عندما ألقي في النار، يقول المولى - عز وجل-: ( قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم)، فلماذا الحزن والخوف في الدنيا وأنت معك المولى -عز وجل- يحفظك فقط اتقي الله في نفسك ومالك وأولادك ووظيفتك وعبادتك وترى بعد ذلك كيف يجند لك الأرض وما عليها، وكيف لا وأنت عبده الطائع يمشي على الأرض وتستمر أحداث القصة، إذ يقول المولى -عز وجل-: ( وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا * وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا * سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا).
فهم بعد أن استفاقوا من نومهم أرادوا أن يمارسوا حياتهم من مأكل ومشرب ويتحسسوا، ماذا يجري بالخارج وفى التفسير لابن كثير يحكى لنا القصة: " أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَحَدهمْ الْخُرُوج لِيَذْهَب إِلَى الْمَدِينَة فِي شِرَاء شَيْء لَهُمْ لِيَأْكُلُوهُ تَنَكَّرَ وَخَرَجَ يَمْشِي فِي غَيْر الْجَادَّة حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى الْمَدِينَة وَذَكَرُوا أَنَّ اِسْمهَا دقسوس وَهُوَ يَظُنّ أَنَّهُ قَرِيب الْعَهْد بِهَا وَكَانَ النَّاس قَدْ تَبَدَّلُوا قَرْنًا بَعْد قَرْن وَجِيلًا بَعْد جِيل وَأُمَّة بَعْد أُمَّة وَتَغَيَّرَتْ الْبِلَاد وَمَنْ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
أَمَّا الدِّيَار فَإِنَّهَا كَدِيَارِهِمْ *** وَأَرَى رِجَال الْحَيّ غَيْر رِجَاله
فَجَعَلَ لَا يَرَى شَيْئًا مِنْ مَعَالِم الْبَلَد الَّتِي يَعْرِفهَا وَلَا يَعْرِف أَحَدًا مِنْ أَهْلهَا لَا خَوَاصّهَا وَلَا عَوَامّهَا فَجَعَلَ يَتَحَيَّر فِي نَفْسه وَيَقُول: لَعَلَّ بِي جُنُونًا أَوْ مَسًّا أَوْ أَنَا حَالِم وَيَقُول: وَاَللَّه مَا بِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّ عَهْدِي بِهَذِهِ الْبَلْدَة عَشِيَّة أَمْس عَلَى غَيْر هَذِهِ الصِّفَة ثُمَّ قَالَ: إِنَّ تَعْجِيل الْخُرُوج مِنْ هَاهُنَا لَأَوْلَى لِي ثُمَّ عَمَدَ إِلَى رَجُل مِمَّنْ يَبِيع الطَّعَام فَدَفَعَ إِلَيْهِ مَا مَعَهُ مِنْ النَّفَقَة وَسَأَلَهُ أَنْ يَبِيعهُ بِهَا طَعَامًا فَلَمَّا رَآهَا ذَلِكَ الرَّجُل أَنْكَرَهَا وَأَنْكَرَ ضَرْبهَا فَدَفَعَهَا إِلَى جَاره وَجَعَلُوا يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنهمْ وَيَقُولُونَ لَعَلَّ هَذَا وَجَدَ كَنْزًا فَسَأَلُوهُ عَنْ أَمْره وَمِنْ أَيْنَ لَهُ هَذِهِ النَّفَقَة لَعَلَّهُ وَجَدَهَا مِنْ كَنْز وَمِمَّنْ أَنْتَ؟ فَجَعَلَ يَقُول أَنَا مِنْ أَهْل هَذِهِ الْبَلْدَة وَعَهْدِي بِهَا عَشِيَّة أَمْس وَفِيهَا دِقْيَانُوس فَنَسَبُوهُ إِلَى الْجُنُون فَحَمَلُوهُ إِلَى وَلِيّ أَمْرهمْ فَسَأَلَهُ عَنْ شَأْنه وَخَبَره حَتَّى أَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِهِ وَهُوَ مُتَحَيِّر فِي حَاله وَمَا هُوَ فِيهِ فَلَمَّا أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ قَامُوا مَعَهُ إِلَى الْكَهْف - مَلِك الْبَلَد وَأَهْلهَا - حَتَّى اِنْتَهَى بِهِمْ إِلَى الْكَهْف فَقَالَ لَهُمْ: دَعُونِي حَتَّى أَتَقَدَّمكُمْ فِي الدُّخُول لِأُعْلِم أَصْحَابِي فَدَخَلَ فَيُقَال إِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ كَيْف ذَهَبَ فِيهِ وَأَخْفَى اللَّه عَلَيْهِمْ خَبَرهمْ وَيُقَال بَلْ دَخَلُوا عَلَيْهِمْ وَرَأَوْهُمْ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ الْمَلِك وَاعْتَنَقَهُمْ وَكَانَ مُسْلِمًا فِيمَا قِيلَ وَاسْمه يندوسيس فَفَرِحُوا بِهِ وَآنَسُوهُ بِالْكَلَامِ ثُمَّ وَدَّعُوهُ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَعَادُوا إِلَى مَضَاجِعهمْ وَتَوَفَّاهُمْ اللَّه - عز وجل- فَاَللَّه أَعْلَم".
وقفة مع ( وليتلطف): هذه الكلمة تقع في منتصف القرآن دليل على أن أساس هذا الدين اللطف والرحمة وليس العنف والقسوة والتشديد على النفس أن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ويَقُول - تعالى-: ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ) أَيْ أَطْلَعْنَا عَلَيْهِمْ النَّاس ( لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْد اللَّه حَقّ وَأَنَّ السَّاعَة لَا رَيْب فِيهَا) ذَكَرَ غَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف أَنَّهُ كَانَ قَدْ حَصَلَ لِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَان شَكّ فِي الْبَعْث وَفِي أَمْر الْقِيَامَة وَقَالَ عِكْرِمَة: كَانَ مِنْهُمْ طَائِفَة قَدْ قَالُوا تُبْعَث الْأَرْوَاح وَلَا تُبْعَث الْأَجْسَاد فَبَعَثَ اللَّه أَهْل الْكَهْف حُجَّة وَدَلَالَة وَآيَة عَلَى ذَلِكَ: ( ولا تقولن لشئن إني فاعل ذلك غدا إلا ان يشاء الله) فقد تقدم قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل السُّورَة ذِكْر سَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَة فِي قَوْل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا سُئِلَ عَنْ قِصَّة أَصْحَاب الْكَهْف (( غَدًا أُجِيبكُمْ )) فَتَأَخَّرَ الْوَحْي خَمْسَة عَشَر يَوْمًا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِطُولِهِ فِي أَوَّل السُّورَة فهو.
عتاب لنبينا الكريم ولامته من بعده أن لا تتم شيئاً في ملك الله إلا بإذنه، وأنه لا يعلم الغيب إلا الله، وأن هذه القصص آيات من الله لنا لنزداد يقين وإيمان بالله وإننا على الطريق الحق وإنا الله حتماً ناصر عبده المؤمن ( واذكر ربك إذا نسيت) إن هذه الآية في غمار هذه القصة تذكرنا بما لا ينبغي أن ينسى وهو ذكر الله -عز وجل- فإن الصلاة لها وقت معلوم والصوم له وقت معلوم أما الذكر فهو ليس مخصص بوقت معلوم فأنت تذكر الله على كل حال قائم أو قاعد أو مستلق صحيح أو مريض غنى أم فقير وإن كان كل الفرائض شرعت لذكر الله كما تقول الآيات: ( وأقم الصلاة لذكري)، وإن الله قد وصف المنافقين بأنهم يذكرون الله لكن إلا قليلاً وإننا نحتاج إلى الذكر في كل وقت لتفريج الكرب وللصبر على التعامل مع الناس إذ يقول الله - تعالى-: ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ) سورة الحجر
وإنه أحب إلى الله من أن تسأله؛ إذ يقول الرسول الكريم على لسان رب العزة: (( من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل مما أعطى السائلين))، وليس ذلك فقط إنما هم هل السبق يوم القيامة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ولفظه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال: (( سيروا هذا جمدان سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات))، المراد من هذه القصة كما يقول النابلسي في تفسيره لهذه الآيات كن كأصحاب الكهف، إذا رأوا فساداً عريضاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وانغماساً في الملذات، ونفاقاً، وزيفاً، واستخفافاً بالقيم الخلقية، إذا رأيت مجتمعاً فاسداً فاعتزله، وانج بدينك. علاج لهذه الفتنة فتنة الفتوة والشباب كما في الآيات: إذ يقول الله - تعالى-: ( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا).
أولاً: التمسك بكتاب الله والحرص على تلاوته، أن يكون لك ورد من القرآن يومياً مع الحرص على العمل بما فيه حتى نكون قدوة لغيرنا ولا يشار إلينا، انظر هذا يقرأ القرآن ويحفظه انظر ماذا يفعل يعق والديه أو يقطع رحمه وكما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (( المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالثمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر وخبيث وريحها مر)) رواه البخاري
بدأت السورة بالحديث عن القرآن وها هو الآن الحل لأول فتنة في هذه السورة التمسك بكتاب الله فلن تجد لهذا الكتاب بديلاً في الحياة، فهو ليس مجرد كتاب يقرأ، إنما هو منهج لحياتك وحياتي، إن القرآن ليس معجز في أسلوبه وبلاغته، وإنه صالح لكل زمان ومكان ولكن أعظم أعجاز في هذه الآيات أنها تغير أي إنسان أي قلب من حال إلى حال قال - تعالى-: (( أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في ظلمات ليس بخارج منها)).
يخرج القلوب من ظلمات الضلالة إلى نور الهداية والرشاد أٌثر في أمه كانت تعيش في الصحراء فقراء بلا مقومات تذكر فيأتي القرآن ليربط قلوبها بالله ألهم قرآن ولنا قرآن مختلف أم هو نفس الكتاب لم يتبدل ولم يتغير أنما هي قلوبنا التي تغيرت وحالت الدنيا والشهوات والمعاصي دون أن نتأثر به تلك الآيات التي ظل النبي - صلى الله عليه وسلم - يرددها ليله كاملة لا يردد غيرها ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فأنك أنت العزيز الحكيم).
إن هذا القران هو مصباح القلوب إلى من يتخبطون في ظلمات القلق والوساوس وهو طوق النجاة إلى من عرف الحزن طريقه إليهم فأقعدهم عن مواصله الحياة والدواء الشافي إلى من في قلوبهم مرض تأن منه القلوب.
ثانياً: الصبر مع الصحبة الصالحة وحسن اختيارها وإذا دققنا التعبير في ( ولا تعد عيناك عنه)، كان الله - عز وجل- يعلم ان نفوس الشباب ليس لهم صبراً لفترات طويلة وإن من صفتهم الملل بسرعة فإذا حدثتك نفسك يترك الصحبة المسجد لأنهم أناس لا يتحدثون في الموضة وآخر الصيحات والمغني الفلاني والممثلة الفلانية، فقل لنفسك اصبري مع الصحبة الصالحة لعلك تدخلين معهم الجنة وإذا تأملنا الآيات ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا أي لا نطيع غافل أو لاه متبع هواه مفرط في طاعة الله مقبل على المعصية وانظر إلى قول المولى -عز وجل-: ( الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) [الزخرف: 67]
كل خليل من خليله يتبرأ يوم القيامة طالما كانت هذه الصداقة ليست لله، وليس هذا فقط إنما تنقلب الصحبة السوء حسرة وندامة يوم القيامة إذ يقول المولى -عز وجل-: ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ) الآية. نزلت هذه الآية الكريمة في أمية بن خلف الجمحي، وعقبة بن أبي مُعَيْط، وذلك أن عقبة كان يجالس النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت قريش: قد صبأ عقبة بن أبي معيط، فقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً ولم تتفل في وجهه، ففعل عقبة ذلك تخيل يشترى صحبة سيئة بصحبة النبي في الجنة يا لها من خلة تودي إلى الهلاك.
ثالثاً: قل كلمة الحق ولا تخشى في الله لومة لائم والهداية لمن شاء ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وكما تنبهنا الآيات لأهمية قول الحق والموعظة الحسنة؛ إذ يقول المولى -عز وجل-: (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون * فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون * فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين).
هذه الآيات تحكي قصة أمة عندما قالت كلمة حق كانت سبب في نجاتها أما الأمم السلبية فهي ملعونة في الدنيا والآخرة الناس حرة في اختيارها، لكن علينا التبليغ حتى لا يعمنا العذاب جميعاً؛ إذ يقول المولى -عز وجل-: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة).
وأخيراً لكل شبابنا (( اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك))، اغتنم شبابك بالقرآن ومجالسة الصحبة الصالحة والتردد على المساجد وتقوية الصلة بالله والدعوة إلى الله كلمة حق.
http://islamselect.net